وتواصل الرواية بالقول: "ورغم ذلك فقد فاجأنا السيد باقتراح إيجابي وغاية في الأهمية إذ قال: إذا طلبت مني الحكومة العراقية التدخل رسمياً، وأعلنت ذلك على الملأ من الإذاعة، حينذاك سأكون ملزماً وسأقول لكم شكلوا وفداً يضم فريقاً حكومياً متخصصاً فنياً وسياسياً يعرف ملابسات القضية جيداً، وسأرسل معه من جانبي، إن شيت، عدداً من علماء الدين العراقيين، فضلاً عن شخص سياسي مقبول من طرفي ومن طرف الحكومة.. وهناك يذهب الموظفون للحوار مع نظرائهم، أما العلماء فسيتصلون بالحوزة الإسلامية؛ لشرح الأمر لعلماء إيران وهم أعضاء كبار في حوزتنا، ومؤتمنون، وسينظرون في كيفية التصرف بهذه القضية.
عدنا إلى بغداد وذهب عبد الحسين إلى القصر ثم عاد بعد قليل قائلاً: أخبرت البكر بكل شيء وفرح وقال إنها خطوة جيدة وسنصدر بيانً تبثه إذاعة بغداد مساء اليوم أو صباح الغد، يلتمس من السيد الحكيم التدخل لتسوية الخلاف بين البلدين. انتظر عدة أيام ولم يصدر شيء. وبعد التحري علمنا أن قيادة الحزب الحاكم رفضت هذا الاتجاه قائلة للبكر: نحن نريد التقليل من شأن علماء الدين، فكيف نعطيهم دوراً يعزز مكانتهم السياسية.
ويعتقد أن رغبة السيد الحكيم بإشهار طلب البعث منه بالتوسط إنما كان احتياطاً ضد أية محاولة للتلاعب واستغلال اسم الحوزة، بل أن إعلان الأمر لو كان حصل كان سيُحرج بغداد وطهران وأمام الرأي العام ويجرهما إلى حوار جاد وسلام علني، ويبعدها عن حرب غامضة ومشبوهة. لكن أياً من الطرفين لم يكن صادقاً فيما يطرحه. ثم أن بعض القيادات البعثية كانت رافضة لفكرة إرسال المرجعية وفداً يمثلها لحل الأزمة، كي لا يتحول مسعاها، فيما لو نجح، إلى أداة ترفع من شأنها وتعزز مكانتها بين الجماهير.
إن الكشف عما دار في الاجتماع يساعد على فهم موقف المرجعية تجاه التطورات السياسية المتسارعة في العراق آنذاك، فقد أثار السيد الحكيم قضية أخرى تتعلق بالمسفرين، إذ أعلن أن الحكومة إذا كان في نيتها الدخول في حرب ضد إيران فعليها أن تدعم جبهتها الداخلية وليس العكس، وقال للوفد: "الإيرانيون ليسوا مجرد جالية مهاجرة، إنهم عراقيون أصلاً ونسباً، ولكنهم حرموا من الجنسية العراقية في العهود السابقة، والقيام بطردهم – إضافة إلى أنه عمل غير إنساني، ومخالف لأبسط المبادئ الإنسانية – فإن من شأنه أن يُضعف الجبهة الداخلية التي أنتم بأمس الحاجة إليها، ثم أضاف: لنفرض أن الحكومة الإيرانية ظالمة خمسمائة بالمائة، فما شأن الإيرانيين العزل المسالمين الذين وُلدوا وتربوا وعاشوا في العراق بمواقف إيران". واحتج المرجع الأعلى على قرار القيادتين القومية والقطرية بخصوص (ضرورة القضاء على المرجعية الدينية باعتبارها العقبة الكبرى في طريق الحزب)، لكن حردان التكريتي أنكر ذلك، ونفى أن يكون على علم بها، ووعده أنه سيبحث الموضوع مع مجلس قيادة الثورة.
ووقفت المرجعية الدينية ضد محاولة السلطة شق صفوفها... يبتع
المصدر موسوعة فتوى الدفاع الكفائي الجزء 3 ص 239






