لماذا يُعتبر عمرالسبعين عامًا الأكثر إبداعًا في حياة الأنسان
الإسماعيلية: مذهب شيعي باطني في ماضيهم وحاضرهم – المؤسسون، الدين، الفكر، العقيدة، والتواجد
المقدمة الموسّعة
في مسيرة الفكر الإسلامي الطويلة، برزت المذاهب والفرق بوصفها انعكاسًا لتفاعل مركّب بين النصوص الدينية، والعقيدة، والسياسة، والاجتماع. ومن بين هذه المذاهب، يبرز المذهب الإسماعيلي كأحد أبرز التيارات الشيعية التي تركت أثرًا فكريًا وسياسيًا كبيرًا عبر التاريخ الإسلامي، سواء في مرحلة الدعوة السرية أو في عصر الدولة الفاطمية التي مثّلت تجربة سياسية وفكرية واسعة التأثير.
تعود جذور الإسماعيلية إلى الاختلاف الذي وقع بعد وفاة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام سنة 148هـ، حيث انقسم الشيعة إلى فريقين:
– فريق تابع إمامة موسى الكاظم عليه السلام، وهم الإمامية الاثنا عشرية.
– وفريق رأى صحة إمامة إسماعيل بن جعفر أو ابنه محمد بن إسماعيل، وهم الإسماعيلية.
ويتميّز الإسماعيليون بتركيزهم على التأويل الباطني للنصوص، واعتبار الإمام الحيّ محور الدين ومعقد التأويل. هذا الاتجاه أثار نقاشًا واسعًا بين علماء الإمامية الذين أقرّوا مشروعية التأويل بضوابطه، لكنهم رفضوا الإفراط الباطني غير المنضبط الذي قد يؤدي إلى تعطيل ظاهر الشريعة. وقد أكد الشيخ المفيد أن الاختلاف يعود غالبًا إلى تأويل النصوص وادعاء الإمامة بلا نص، وهو ما حصل مع بعض الفِرَق التي انشقت بعد عصر الأئمة (المفيد، أوائل المقالات، ص45).
موقف الأئمة عليهم السلام من ادعاء إمامة إسماعيل
لم يرد عن الأئمة عليهم السلام ذم مباشر للإسماعيلية بوصفهم فرقة متكاملة، لأن الاسم لم يظهر بعد، لكن ورد عنهم ذم ادعاء إمامة من لم ينص عليه الإمام السابق. نصوص كثيرة تثبت وفاة إسماعيل بن جعفر في حياة أبيه:
– الكليني والصدوق والكشي: الإمام الصادق (ع) كشف وجه إسماعيل عند وفاته مرارًا لإزالة الشك حول موته.
– روى عنه (ع): «ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني».
وبالتالي، حسم الإمام الصادق (ع) الإمامة لموسى الكاظم عليه السلام، ونفى إمامة إسماعيل بوفاته.
أما التأويل الباطني المفرط فقد ذمّه الأئمة ضمن ذمّهم للغلاة ومن يتوسّعون في تأويل النص دون دليل.
الفصل الأول: نشأة الإسماعيلية وتاريخها
الخلفية العقدية
بعد وفاة الإمام الصادق (ع)، ظهر الخلاف حول من يتولى الإمامة بعده. نشأت فرقة الإسماعيلية على أساس حق الإمام إسماعيل بن جعفر أو ولده محمد بن إسماعيل. وقد تناول علماء الإمامية هذا الانقسام مطولًا، حيث أكّد الشيخ المفيد أن إسماعيل تُوفي في حياة أبيه، وأن الإمام أظهر ذلك مرارًا للناس لدفع الادعاءات مستقبلًا.
أسباب ظهور الفرقة الإسماعيلية
1. عقائدية: التأكيد على الإمامة الإلهية والتأويل الباطني للقرآن. يرى علماء الإمامية أن الإمامة بعد الصادق كانت نصًا لموسى الكاظم عليه السلام، وأن القول بإمامة غير المنصوص عليه يؤدي إلى اختلاط الحق بالباطل.
2. سياسية: اضطهاد العباسيين دفعهم للاعتماد على التقية والدعوة السرية. يرى الباحثون الإمامية أن الظروف السياسية ساعدت على انتشار الدعوة الإسماعيلية بطريقة واسعة.
3. اجتماعية وثقافية: الحاجة لتنظيم المجتمع الشيعي تحت قيادة روحية قوية.
مراحل تطور الدعوة الإسماعيلية
المرحلة المبكرة: الدعوة السرية في العراق وخراسان.
مرحلة الدولة الفاطمية: تأسيس القاهرة والأزهر، دمج السياسة بالدين. علماء الإمامية اعتبروا أن العقائد الفاطمية اعتمدت على تأويلات بعيدة للنصوص، خصوصًا في مسائل مثل عصمة الأئمة وتأليه بعض الصفات.
مرحلة ما بعد الفاطميين: انتشار النزارية والمستعلية والبهرة، مع استمرار الولاء للإمام الحي.
الفصل الثاني: علماء الإسماعيلية وفكرهم
العصور المبكرة
محمد بن إسماعيل والدعاة السرية اعتمدوا على التأويل الباطني. انتقد الشيخ المفيد هذا المنهج وبيّن أن الاعتماد على الباطن وحده يوقع في الغموض ويبتعد عن منهج أهل البيت الواضح.
علماء الدولة الفاطمية
قدّم العلماء الفاطميون رؤية باطنية متكاملة. يرى علماء الإمامية أن تلك الفترة شهدت توسعًا كبيرًا في سلطة الإمام الحي، وهو ما خالف مبدأ الإمامة المحددة بالنص عند الإثني عشرية.
العلماء المعاصرون والآغاخانية
تطورت الحركة عالمياً وتركزت على التعليم والتنمية. يشير الباحثون الإمامية إلى أن الفكر الإسماعيلي الحديث ابتعد عن الباطنية الشديدة التي كانت سائدة في القرون الأولى، مع بقاء الاعتقاد بالإمام الحي.
الخصائص الفكرية
التأويل الباطني، الاجتهاد العقلي، السياسة الاجتماعية، التعليم. وعلّق علماء الإمامية بأن الاجتهاد العقلي لدى الإسماعيلية يتجاوز أحيانًا الضوابط الشرعية (الطوسي، التبيان).
الفصل الثالث: عقائد الإسماعيلية وعباداتهم
العقائد الأساسية
الإمامة: تقوم على الإمام الحي المعصوم. علماء الإمامية يؤكدون أن الإمامة توقفت بغيبة الإمام المهدي (ع) وأن كل ادعاء بوجود إمام ظاهر بعد الغيبة الكبرى باطل.
التأويل الباطني: قراءة رمزية للنصوص. انتقد الإمامية الإفراط في الباطنية واعتبروا أن التأويل يجب ألا يؤدي إلى تعطيل ظاهر النص.
العقيدة الأخلاقية: العدل، الرحمة، الخدمة الإنسانية.
العبادات
ظاهرية: الصلاة، الصوم، الزكاة.
باطنية: التأمل والتأويل. علماء الإمامية مثل الحر العاملي أشاروا إلى أن بعض الطقوس تختلف عن منهج الأئمة، ولا يوجد دليل معتبر على مشروعيتها.
الفصل الرابع: أقسام الإسماعيلية وفروعهم
النزارية (الآغاخانية): التعليم، التنمية، الخدمة الإنسانية، الانتشار العالمي.
المستعلية: البهرة الداودية والسليمانية، الطقوس المحلية، التعليم الديني.
الفاطميون القدامى: شمال أفريقيا ومصر، دمج السياسة والدين، المؤسس الأزهر.
تعقيب الإمامية
يشير علماء الإمامية إلى أن الانقسامات دليل على غياب نص واضح على الأئمة بعد الصادق، مما أدى إلى تفرعات كثيرة داخل البيت الإسماعيلي.
الفصل الخامس: التواجد التاريخي والمعاصر وأثرهم الاجتماعي
التواجد التاريخي: العراق، الشام، شمال أفريقيا، مصر، اليمن، الحجاز.
التواجد المعاصر: الهند، باكستان، أفغانستان، طاجيكستان، كينيا، تنزانيا، أوغندا، أوروبا وأمريكا.
الأثر الاجتماعي: التعليم، إنشاء مدارس وجامعات، الخدمة الإنسانية، الحفاظ على الهوية والولاء الروحي.
علماء الإمامية يرون أن إسماعيلية اليوم، رغم ابتعادهم عن الباطنية القديمة، ما زالوا يحتفظون بمبدأ الإمامة الحية الذي يعدّ أصل الفارق بينهم وبين الإثني عشرية.
الخاتمة
دراسة المذاهب الإسلامية والإسماعيلية توضح وحدة العقيدة وتعدد التأويلات.
يرى علماء الشيعة الإمامية أن الاختلاف مع الإسماعيلية يتركز في مسألتين جوهريتين:
1. إمامة إسماعيل ومن بعده.
2. التأويل الباطني الواسع.
مع ذلك، يشير العلماء الإمامية إلى أن الإسماعيلية كانت قوة حضارية وسياسية بارزة، وأن فهمها العلمي ضروري لفهم تطور الفكر الإسلامي.
المصادر والهوامش
1. الشيخ المفيد، أوائل المقالات، ص 45.
2. الكافي، ج1، باب الإشارة والنص على إمامة موسى الكاظم (ع).
3. كمال الدين، الصدوق، ج2.
4. المقنعة، المفيد، ص 12.
5. الفصول المختارة، المرتضى، ص 89.
6. التبيان، الطوسي، مقدمة التفسير.
7. فرق الشيعة، النوبختي، ص 58.
8. الإرشاد، المفيد، ج2، ص 203.
9. رجال النجاشي، ترجمة إسماعيل بن جعفر.
10. بحار الأنوار، المجلسي، ج48.
11. المفيد، الرد على أصحاب الإسماعيلية.
12. الاحتجاج، الطبرسي.
13. نهج الحق، العلامة الحلي.
14. الكافي، باب النهي عن التفسير بالرأي.
15. بحار الأنوار، ج25، باب الغلو.
16. النوبختي، فرق الشيعة.
17. الإرشاد، المفيد.
18. الحر العاملي، إثبات الهداة.






