ووقفت المرجعية الدينية ضد محاولة السلطة شق صفوفها، فقد اتصلت الأخيرة بالسيد روح الله الخميني مستغلة وجوده في العراق منذ عام 1965م بوصفه معارضاً سياسياً بارزاً للشاه البهلوي، فزاره المسؤولون الأمنيون في النجف الأشرف بتاريخ 29 نيسان 1965م وبحثوا معه القضية ذاتها، وكانوا يتصورون أن السيد الخميني سيُصدر بياناً مُطولاً ضد الشاه بسبب ما قاساه من حكومته من قمع، ولأنه منفي في العراق فسيكون موقفه مؤيداً للحكومة العراقية، لكنه لم يستغل الاختلافات القائمة بين الحكم البعثي والحكومة الإيرانية لصالحه، فقابلهم بالاستنكار الشديد لممارساتهم الاقصائية، ونهجهم المتعنت ضد الشعب العراقي، رافضاً تحويله إلى عصاة لضرب الشاه بعدما ساءت علاقتهم مع حكومته المتجبرة، ولم يرض أن يكون ورقة سياسية ستفيد منها أي طرف، ولا أن يؤدي هذا الدور المعبأ بالنفاق السياسي.
ومما زاد في التنافر بين المرجعية الدينية والحكومية تصاعد مظاهر الرفض لسياستها في الشارع العراقي بقيادة العلماء، ففي 3 آيار 1969م احتشد الآلاف في الصحن الحيدري الشريف بمناسبة وفاة الرسول الأعظم (ص) وحضر الاحتفال شخصياً السيد محسن الحكيم ومعه كبار علماء الحوزة، وألقى ولده السيد مهدي كلمة بالنيابة عنه، تطرق فيها الى المشاكل الداخلية في العراق والتشريعات الجديدة التي أصدرتها حكومة البعث والتي عدتها المرجعية الدينية مخالفة للشريعة الإسلامية، ودعا الناس إلى رفض تلك القرارات والتحرك ضدها.
ولأهمية كلمة المرجعية ومعانيها المتحدية للبعث نورد نصوصاً منها: "أن الحوزة العلمية بقيادة المرجعية العليا هي التي كانت تقول كلمة الحق في كل حين وسوف تقول هذه الكلمة كذلك إن شاء الله، إننا نريد أن يصبح واضحاً كل الوضوح للشعوب الإسلامية وللحكومات، إن هذا المركز الديني المتمثل بالحوزة العلمية لا يتجزأ من كيان الأمة، لأنه الجزء المعبر عن عقيدتها ومصالحه، والحامي لرسالتها وتراثها، وعلى هذا الأساس يجب أن لا يتأثر وضع الحوزة بأي خلافات ونزاعات مهما كان مضمونها، ومهما كان الظرف فيها؛ لأن الحوزة هي ممثلة الإسلام قبل كل شيء وليست ملكاً لهذا الإقليم أو لذاك لكي تزج في الخلاف.... والمرجعية العيا تشعر بمسؤولية الحفاظ على الإسلام والمسلمين والتدخل لحل مشاكلهم أينما كانت هذه المشاكل، لأنها بحكم أبوتها العامة للمسلمين على اختلاف أقطارهم وشعورهم، تدرك بأن من واجبها أن تقف موقف الإصلاح لحقن الدماء في أي مشكلة من مشاكل المسلمين، ولكن بالنحو الذي يحفظ للدين كرامته، وللحوزة العليمة عزتها وهيبتها وقدرتها على الإصلاح والتأثير".
وشعر السيد محسن الحكيم ومعه العلماء الأعلام أن البعث لن يسكت على إفضال المرجعية العليا لمخططاته في تجنيد القوى الدينية لخدمة مصالح حكومته المتسلطة والخضوع لرؤيتها السياسية الضيقة. لذلك فقد أرادت أن تأخذ بزمام المبادرة وتفاجئ النظام الحاكم بضربة صميمية في العاصمة بغداد تهز عروض طغيانه من جذورها، من خلال حركة شعبية يقودها المرجع الأعلى بنفسه، وفعلاً سافر السيد الحكيم إلى بغداد، وكان من المخطط استقدام المواكب الحسينية من أنحاء العراق كافة لمحل إقامته هناك ليلقي عليها كلماته ويتحدث معها، وتتم كتابة مطاليب الشعب العراقي ومؤاخذته على الحكام البعثيين وتسليمها للحكومة، ثم التدرج وتصعيد الموقف من خلال توجيه أهالي مدينتي (الشعلة والثورة) للقيام بمسيرات جماهيرية ضخمة تخترق شوارع بغداد باتجاه الكاظمية، ثم يأتي المرجع الأعلى ليلتقي بالجموع ويخاطب بها في صحن المرقد الكاظمي المطهر.
وحدثت في البداية مظاهر سلمية مؤيدة للسيد الحكيم ... يتبع
المصدر موسوعة فتوى الدفاع الكفائي الجزء 3






