هل يمكن أن يعيش الإنسان حياته دائما بمثالية عالية؟ وهل المثالية هي وجه الأنسان الآخر يتغطى به على عيوبه؟
ولد الأنسان على فطرته السليمة من بيئة اجتماعية، فرضتها عليه الأطباع والتعامل النفسي والتربوي، فنجد العراقيين بعد مرورهم بحروبٍ قاسية، وظروف معيشية صعبة، أصبحوا سريعي الغضب ويميلون لكثرة الانتقاد والاجتهادات الشخصية، وقد يعود سبب ذلك إلى قلة الوعي الإعلامي والسياسي والديني، الذي يفتح المجال لتلك الانتقادات الشخصية.
وفي هذا المقال سنتناول تأثير الإدعاء بالمثالية على النفس، وتأثير هذ الشخصية على الآخرين، ويظهر ذلك عبر:
- القلق المستمر للشخص المدعي للمثالية يولد عنده شعور الخوف من أن يكتشف أحد أخطاءه أو إخفاقاته.
- إرهاق النفس بسبب محاولات إرضاء الآخرين بآرائه وقناعاته الشخصية.
ب – تأثير الشخص المدعي للمثالي على الآخرين، ويظهر ذلك عبر:
- قيام الشخص المثالي في خلق بيئة سامّة وتنافسية من طريق فرض توقعات غير واقعية حوله، سواء بين الأبناء في الأسرة أو الزملاء في الجامعة والعمل، وقد يؤدي إلى خلق بيئة ضعيفة من العلاقات الإنسانية خالية من الصدق والعفوية.
- لا يرضى إلا بالكمال؛ إذ يجعل الآخرين يشعرون بعدم الكفاءة، ونشر ثقافة الخوف من الفشل، مما يجعل الآخرين يتجنبون المحاولة حتى لا يُنتقدوا أو يُقارنوا.
وكثيرون يحلمون أن يكونوا مثاليين في أخلاقهم وقراراتهم، وحتى في مشاعرهم، لكن ماذا لو قلنا: إن المثالية ليست إلا وهمًا جميلاً لا يصمد أمام حقيقة الطبيعة البشرية، وهي:
- النقص أي عدم الكمال هو جزء لا يتجزأ من تكوينه النفسي والجسدي.
- الإنسان يتعلم من الخطأ لا من الكمال.
ويأتي السؤال مرة أخرى هل إدعاء المثالية والمنطقية هو الخيار الصحيح؟
أشار القران الكريم في قوله تعالى: ((وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ))[1]
وفي قوله تعالى: ((فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)) [2] وقد إشار
وفي دعاء كميل اعتراف صريح وواضح بأن العبد مليء بالزلّات، والمثالية لو كانت حقيقية لما احتاج الإنسان للستر الإلهي ((وَكَمْ مِنْ قَبِيحٍ سَتَرْتَهُ، وَكَمْ مِنْ فَادِحٍ مِنَ الْبَلاَءِ أَقْلْتَهُ، وَكَمْ مِنْ عِثَارٍ وَقَيْتَهُ...)).
ومن ذلك يتبين لنا أن المثالية المطلقة لم ولن تتم فالإنسان غير مكتمل بطبيعته، فهو محتاج، والمحتاج لا يوصف بالكمال، فإن كنت عالما في علم ما فأنت جاهل في غيره، وإن كنت ناجحا في مجال ما، فأنت فاشل في غيره، وإن كنت كريما، قد تكون جبانا، وإن كنت شجاعا، قد تكون بخيلا، بمعنى أنك إن كنت كاملا من جهة ما، فأنت غير كامل من جهة أخرى، وهذه هي الدنيا لا كمال إلا لخالقها، فكلنا محتاج وغير كامل، وما المثالية إلا وهم وشكل وفرضية فرضها غير الكاملين لسد النقص الحاصل عندهم
وختامًا المثالية المطلقة تُرهق الإنسان وتبعده عن الواقع، والاعتراف بالنقص هو أساس التطور والاقتراب من الكمال الحقيقي.